بعد مارس 2011م لم تعد تشرنوبل هي الأخطر، فقد انفجرت محطة فوكوشيما النووية اليابانية لإنتاج الكهرباء ذات الست وحدات و المطلة على المحيط الهادئ إثر زلزال تبعته تسونامي عملاقة أدت الى انقطاع تام للكهرباء في المحطة وبالتالي تعطلت أنظمة التبريد ممّا سبب ارتفاع الضغط في المفاعل حتى بلغ 850 كيلوا باسكال ; فأصدرت شركة TEPKOالمسؤولة عـن الموقع أمرًا بفتح الصمامات و تنفيس الضغط لتنطلق الغازات كسحابة غبار مشع حرة في الجو، واستُخدم ماء المحيط للتبريد ولكن المفاعل انفجر بفعل الهيدروجين المتجمِّع وانهار الغلاف الإسمنتي للمفاعل وتعرضت قضبان الوقود للهواء مباشرةً فانصهر جزء منها لتسجل نسبة الإشعاع بعد 3 ساعات من الإنفجار 11.9 ملي سيفرت/ساعة وكأن أرض اليابان صارت مصدرًا مشعًا ; وللمقارنة في اوروبا متوسط الجرعة للشخص هي 4.5 ملي سيفرت سنويًا .
استمر الماء الملوث بالتسرب المحيط ، وانتشرت النويدات المشعة ملوثةً الجو نذكر منها اليود 131 (I-131 ) المسؤول عن سرطان الغدة الدرقية ونظائر السيزيوم ولعل أخطرها ( Cs-137) بنصف عمر 30سنة ، و اليود 133 (I-133 ) الذي يبلغ نصف عمر 20.8 ساعة يتفكك بعدها الى الزينون ( Xe-133 ) المشع ، وفي دراسة منفصلة خلصت الى أن أقوى انبعاث للسيزيوم كان بين 14-19/3/2011م ليهبط جزء كبير منه بفعل المطرعلى المحيط و ضمن الحدود اليابانية ، ووصل البعض الآخر سماء امريكا الشمالية في 15 مارس و سماء اوروبا في 22 مارس من نفس العام وبحلول ابريل كان الزينون 133 موزعًا بشكل متجانس في منتصف خطوط العرض للنصف الشمالي للكرة الأرضية بأكملها ; أي حيث نعيش معتقدين أننا بعيدون عن الخطر.
لقد صنفت وكالة الطاقة الذرية الدولية الحادث من الدرجة 7 وهو الأعلى والأخطر على مقياس الكوارث النووية و قامت الحكومة اليابانية برسم دائرة تمتد 20كيلومترًا حول الموقع واعلانها منطقة إجلاء يحرم الدخول اليها لتوسعها الى 30 كيلو مترًا في 22 من ابريل ، وعلّق البُحَّاث والعلماء بأنه حادثٌ لن ينتهي أثره لعقود.
بعد الكارثة علّقت اليابان تصديرها للسلع وحظرت الصيد في المحيط وقامت بصرف جرعات من KI كترياق يحمي الغدة الدرقية من امتصاص اليود131 المسرطن تماما كما فعلت بولندا عقب حادثة تشرنوبل.
أما دول العالم فقد رفعت سقف الرقابة والإجراءات الاحترازية كل حسب توقعاته لدرجة تأثره بالحادث، فقامت جهات الإختصاص في الولايات المتحدة بإصدار تقاريرها وتوصياتها التي طالت الدوائر الحكومية وحتى المواطنين ; فقد كان لخبر وصول سحابة الغبار المشع صدى يستحق الاهتمام; فقامت بنصح السكان بتناول جرعات KI لمدة تتراوح بين 7- 10 أيام للوقاية بنسبة 100% من خطر سرطان الغدة الدرقية حسب بيان ادارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA.
بعد كل ماسبق نحتاج الى إجابة سؤال مهم ; هل نحن حقًا آمنون من خطر انفجارٍ ستستمر أصداؤه لعقود وعقود؟!!
على الرغم من مرور اربع سنوات على الحادث مايزال العالم يبحث عن إجابات وحلول لمشكلات مهمة أولها قلب المفاعل 2 المفقود والذي يُعتقد بانه قد ذاب وانصهر وغاص تحت المحطة حيث تستخدم مياه المحيط لتبريد الموقع خشية الوصول الي الكتلة الحرجة ، وثانيها قضبان الوقود المستهلك التي تحتاج عاجلاً الى نقلها بسلامة مطلقة، وثالثها برك مياه التبريد الملوثة وحتى تلك المُجمعة في صهاريج مازال تسربها للمحيط يشكل خطرًا بيئيًا عالميًا ;حيث اعترفت TEPKO والحكومة اليابانية في يوليو 2013 بأن الماء تسرب للمحيط بالفعل، ومن يدري ربما عمدت الى تصريف ما تعتقد بأنها نسب آمنه الى المحيط الشاسع، وكحل من TEPKO بدأت مشروعًا لبناء جدار جليدي لفصل الماء الملوث عن المحيط ولكنه لن ينتهي قبل منتصف 2015م حسب التقديرات.
ماذا عن كل هذا التلوث للجو والمحيط؟ هل سيطال السلسلة الغذائية خصوصًا البحرية؟
أيضًا ، ماذا بخصوص ما تصدره اليابان من منتجات للعالم؟
لقد وصلت بالفعل المياه الملوثة مع منتصف 2014م للشاطئ الغربي للولايات المتحدة حيث أشارت تقارير لاصطياد عينات اسماك تونة ملوثة من مياه كاليفورنيا.
يستمر الجدل اليوم عالميًا حول مدى تأثير الجرعات الاشعاعية في غلال المحيط على صحة الإنسان سواء أكانت معلبة أو طازجة خصوصا تلك المستوردة من الشرق الأقصى ،حيث يترسب اليود المشع في انسجة الأسماك و السيزيوم 137 الذي له نصف عمر يصل 30 سنة يترسب في العضلات ليستمر في النشاط لعقود.
بعض البلدان تعتبر حد 150 بيكرل / كجم خطًا معقولاً لتلوث الغذاء بالنسبة للبالغين، وفي إشارة الى تقرير للأمم المتحدة في مارس 2014م أنه وجد 33 طفل ياباني مصاب فعلا بسرطان الغدة الدرقية و42 آخرين مشتبه بإصابتهم مما يدل على ارتفاع نسبة الإصابات مع استمرار التلوث برًا وبحرًا.
تحدثت وسائل إعلام مختلفة حول بضائع يابانية ملوثة تصل بلدانهم قاطعة المحيطات ومتجاوزة أعين الرقابة وربما على سبيل الذكر ما حدث في 2013م من أخبار تناقلتها وسائل إعلام عراقية لم تنفها الحكومة عن وصول بضائع يابانية ومنها مركبات آلية ملوثة بعد تزوير التاجر لشهادة المنشأ لتقدم على انها مستوردة من أمريكا.
في ليبيا لا نستورد مأكولات بحرية ولا برية من اليابان ولكننا نستورد بشكل رئيسي معلبات كالتونه من الشرق الأقصى من تايلاند تحديدًا، وكذلك نستورد السيارات وما يتبعها من قطع غيار وإطارات حيث تشكل هذه النسبة الأعلى من البضائع المستوردة من اليابان تليها بعض الأجهزة الإلكترونية ثمّ منتجات أخرى بنسب ضعيفة.
إن آلية استيراد المركبات الآلية الى ليبيا تتم بطريقتين الأولى مباشرة من شركة التصنيع اليابانية أو عن طريق وكيل في دولة أخرى وهذه توفر حاجزًا و إجراءات ادارية قد توفر بعض الثقة للمستهلك، والطريقة الثانية للبضائع المستعملة خصوصًا السيارات فإنها تتم عن طريق تُجّار أفراد كل حسب طريقته ربما بعيدًا عن الإجراءات النظامية الخاصة بالشركات وهذا يشكل خطرًا على المستهلك الليبي. فهل تخضع مختلف البضائع الى مسح اشعاعي دقيق قبل دخولها الى الحدود الليبية ؟ وهل نهتم جديًا بتتبع ما يطرأ على بحرنا وسمائنا من تغيرات وملوثات أجمع العالم على مدى خطورتها.
المراجع :
- موقع الرابطة العربية للوقاية من الإشعاع….. www.arp-asso.org
- مجلة منظمة الصحة العالمية …. www.UN.org
- ويكيبيديا الموسوعة الحرة …… ar.wikipedia.org
- www.fukushimaishere.info/AtmosphereRprt_mar12.pdf
- www.oceanhealthindex.org
- www.K4iu.com